يعتبر هذا الموضوع من إختصاصات علماء الدين والفقهاء والقضاة ، ولهذا لا أريد أن أتناوله من الزاوية الدينية أو المنظور الفقهي ، ولكن سأركز على أسبابه ونتائجه السلبية
وخاصة على الأطفال الذين يتجرعون كؤوس المرارة من نتائج الطلاق .
الطلاق هو إنفصال الزوجين عن بعضهما بإجراءات رسمية وقانونية وقد يتم بإتفاق
الطرفين أو بإرادة أحدهما بمعنى حل عقد الزواج بين الطرفين . وقال رسول الله عليه
أفضل الصلاة والسلام الحديث المشهور عن الطلاق ” إن أبغض الحلال عند الله الطلاق”
أي أنه مشروع من الناحية الدينية ولكنه مكروه عند الله .
وجدير بالذكر أن ظاهرة الطلاق في آي مجتمع تشكل خطراً يهدد الأسر ويقوض
اساسات المجتمع لأن الأسرة هي الأساس الوحيد في بناء مجتمع سليم ، وذلك لأن
الطلاق ينعكس سلباً على أفراد المجتمع ومؤسساته مما يؤدي به الى التفكك وعدم
الإستقرار ويُحفز الإنحرافات السلوكية بمختلف أنواعها بين الأفراد وهذا يزيد من
معدلات الجرائم .
إن أبرز أسباب الطلاق بين الزوجين هي :
* الخيانة الزوجية من آي طرف منهما
* العنف من الزوج
* الإدمان على المخدرات أو الكحول أو كليهما
* كثرة الجدال على أسباب واهية مما يُؤدي الى الشقاق شبه المستمر
* الجفاف العاطفي بعد فترة من الزمن قد تطول وقد تقصر
* تباين الأخلاق وتنافر الطباع بين الزوجين
* عدم الإنجاب أحياناً
* تدخل الأهل أحياناً مما يُوَتر العلاقات بين الزوجين
* إنشغال أحد الأطراف عن الآخر وذلك بالإدمان على ميديا التواصل الإجتماعي
* ولكن أُجزم بأن من أهم اسباب الطلاق الحالة المادية للأسرة بمعنى الدخول المادية
المنخفضة التي لا تُلبي إحتياجات أفراد الأسرة
* محاولة أحد الزوجين بالتحكم في شخصية الطرف الآخر بطريقة تسلطية مستفزه مما
يؤجج الخلافات بين الاثنين
لم يُشرع الله سبحانه وتعالى الزواج الا لهدف وغاية نبيلة سامية ، فالزواج هو من سنن.
الفطرة التي فطر الله الناس عليها ، فلا يستقيم أمر المجتمع ولا يستمر الا بالزواج والا
إنقطع النسل أو الذرية . فالزواج مهم جداً في استمرار النوع البشري وهو الذي يزرع
السكينة والمودة والرحمة بين الرجل والمرأة ، فنفوس كلا الجنسين تتوق الى الزواج لتحقيق
الرغبات النفسية والجنسية معاً . الزواج ليس علاقة مؤقتة تزول بل يجب أن تدوم مهما
كانت العقبات والتقلبات في الحياة البشرية . ولهذا يجب على الزوجين لإستمرارالزواج
الناجح أن يقوما بالواجبات والحقوق المفروضة على كل منهما . ومن أهم الواجبات حسن المعاشرة وتحمل بل التجاوز عن بعض التصرفات التي لا ترضي أي منهما بحيث لا تكون هذه التصرفات الخاطئة سبباً من أسباب الإختلاف . ومن أروع فضائل الزوج أو الزوجة الصبر في المواقف الحرجة والعواصف التي تهدم أساس الزواج الناجح يقول الله تعالى” واستعينوا بالصبر والصلاة وإنها لكبيرة الا على الخاشعين “.
وهذه هي الآية الوحيدة التي قدم الله فيها الصبر على الصلاة . في كتابه الحكيم
دائما يُقرن الله الصلاة بالزكاة الا في هذه الآية الكريمة . ما أجمل الموعظة الحسنة من
كليهما في الأزمات . وما أعظم أن يغض كلاهما الطرف عما لا يرتضيه من الآخر فإذا
كره خُلقا أحب من الطرف الآخر خُلقا جميلاً . أما حل المشاكل المادية فيجب الإتفاق عليها
وتحديد مسؤولية كل منهما من ناحية المساهمة في مصروفات الأسرة وتوزيع الدخل .
ولكن الآثار السلبية والنتائج الوخيمة على الأسرة فحدث ولا حرج . فالطلاق يؤثر على
المطلقة ويخلّف ضغوطاً نفسية متعددة مثل مرارة الفشل في الحياة الزوجية والإحساس
بالحرمان وقيمة الذات وعدم إحترامها في بعض المجتمعات لأنها مطلقة وربما لن تتاح
لها فرصة ثانية للزواج . أما الرجل المطلق فقد يصبح سلبياً تجاه النساء ويتعمق لديه
الإحساس أنه ربما يُرفض من قِبَل نساء أخريات ، علاوة على فقد الثقة بنفسه . أما
الآثار السلبية الناتجة عن الطلاق بالنسبة للأطفال من كلا الجنسين فهي أشد وطأة
عليهم وخاصة إذا كانوا صغار السن . ومن هذه النتائج السلبية تشتتهم بين الأب والأم
وسماعهم التناقض في الأقوال والتعليقات من طرف الأسرتين . وقد يصابون بالفشل
الدراسي في كثير من الأحيان لتشتت تفكيرهم ، كما أن يفتقدون التربية السليمة في
هذه الأسرة المفككة مما يجعلهم تربة صالحة للإنحرافات وإرتكاب الجرائم . ومما لاشك
فيه أن أبناء وبنات المطلقين يشعرون بالنقص والبؤس والإحباط وحتى الحقد نحو الآخرين .
وتظهر عليهم علامات اللامبالاة والفتور وإعلان التمرد والعصيان وهذا كله نتيجة الصدمة
النفسية لإنفصال الوالدين . وتشير بعض الدراسات الطبية الى أن الطلاق يؤدي الى التوتر
النفسي وخاصة لدى الأطفال والذي يعمل على خفض مناعة الجسم بالإضافة الى إنخفاض
هرمون النمو في الجسم لديهم . كما لا ينبغي للزوجين أن يُغلبا لغة العنف والقسوة بينهما
فلابد من معالجة المشاكل بعقلانية وبالحوار الهاديء الرقيق ، يجب على الزوجين أن يتبادلا
كلمات الحب والتودد والحنان لإشباع الجانب العاطفي بدلا من الصراخ وعلو الصوت مما
يزيد الأمور سوءاً . فما أجمل من أن تكون بين الزوجين لغة التسامح والصفح سمة بارزة
في هذه العلاقة.
بعد الطلاق على المطلقين أن يتكيفوا مع الحياة الجديدة ولا يستكينوا للضغوط النفسية
والإجتماعية وذلك بعدم التفكير في الماضي الأليم الذي كان سببا في الطلاق، بل يضعون
التفاؤل نصب أعينهم لبداية أخرى جديدة .